- قصة : رحيل بلا وداع
بقلم د/صديق الحكيم
sedeeks@yahoo.com
يوسف عبد الواحد هو الابن البكر لأم مصرية أصيلة
رحل عنها زوجها الى زوجة أخرى
قضى يوسف ثلاث سنوات عجاف فى الجيش المصرى
كجندى مجند بسلاح المهندسين
لأنه كان يعمل نجارا قبل دخوله الى الجيش
خرج فيها من عالم القرية المغلق و المحدود الى اماكن عدة فى بر مصر الفسيح
من دهشور مرورا ببنى يوسف الى كتيبة البحر الميت بأبى قير بالاسكندرية التابعة للقوات البحرية
ثلاث سنوات عدها يوسف بالشهور ثم عدها بالأسابيع
ثم عدها بالأيام
وأخيرا أوشك على الانتهاء من الخدمة العسكرية
أخيرا أوشكت السنوات العجاف على الانتهاء
واصبح يطلق عليه زملائه فى الكتيبة – كما جري العرف فى الجيش المصرى- لقب رديف
وهذا يعنى الكثير بالنسبة ليوسف
ان هى الا أيام قلائل ويطوي صفحة الجيش
ويخرج للحياة الملكى
– الملكى مقابل للميرى- اى الحياة المدنية
لقد تحرر من الخدمات بالسلاح
والنوبتجيات الليلية برنجى وكنجى وشنجى
أسماء ورثناها من سنوات الاحتلال العثمانى
سوف يخرج يوسف فى 25/2/1991
لم يبقى له سوى أسبوعين
نعم أسبوعين فقط
يعدهما بالساعة حتى يلقى أمه الحبيبة
التى غاب عنها ثلاث سنوات
لم يشبع منها فى أجازاته القصيرة خميس وجمعة كل أسبوعين
أما هناك على شاطئ النيل – فرع رشيد - كانت الأم تنتظر بفارغ الصبر خروج ابنها البكر
ليحمل عنها عناء وشقاء الكدح فى الحياة الصعبة القاسية
وكان يوسف يستعد لذلك ويؤهل نفسه بعدما أصقلت سنوات الجيش الصعبة
مواهبه وتعلم فيها الكثيرمماينفعه فى صراعه المقبل مع الأيام
جاء يوم السبت كان يوسف عبد الواحد يمارس نشاطه اليومى المعتاد حيث كان يعمل مساعد طباخ الكتيبة
بينما كانت الأم فى بيتها تجلس الى طشت الغسيل تغسل ملابس يوسف استعدادا لخروجه من الجيش
وفجأة أحس يوسف بانقباضة شديدة فى صدره
وهو جالس على شاطئ البحر الميت بأبي قير
كانت الصلة الروحية القوية بين يوسف وأمه
وراء هذا الشعور الذى احسه
فى هذه اللحظة لم تستطع الأم أن تنهى غسيل ملابس يوسف
فقد أصيبت بدوار شديد حاولت أن تنهض معه وا قفة فلم تستطع
دارت الدنيا من حولها بسرعة قبل أن تسقط على الأرض
ويرتطم رأسها بطشت الغسيل فيشج رأسها ويسيل الدم
يأتى الجيران للمساعدة بعد صرخة ابنها الصغير
يسرع أحدهم باحضار الطبيب
يقرر الطبيب أن الحالة جلطة دموية بالدماغ
وتحتاج للنقل السريع للمستشفى لأن الحالة خطرة جدا
ونقلت الى المستشفى العام بالمدينة على بعد ساعة
وصلت بعد العصر وصارعت الموت مابين العصر والمغرب
لتفارق الحياة هناك فى عنبر الباطنة حريم
بين المغرب والعشاء
ويحور جثمانها الهزيل
الذى صارع الزمن لخمسة عقود ونيف وباغته الموت
تحت جنح الظلام الى بيتها
ليوارى الثرى فى الصباح التالى
لليلة طويلة من ليالى شهر فبراير
حالك ظلامها بارد هوائها غاب عن سمائها القمر
يوسف لم يصله الخبركلاما يتلى لكنه أحس بالأمرشعورا بالتخاطرصوت همس بداخله
فجاء على عجل من البحر الميت على شاطئ الاسكندرية الى شاطئ النيل
ليجد أمه قد رحلت عن الدنيا قبل أن تودعه
لم يمهله القدر حتى يحمل عنها الحمل ويجعلها تنعم بالراحة كما وعدها من قبل
لم يمهلها القدر حتى ترى ابنها البكر يحمل عنها المسئولية
لم يمهلها القدر حتى تزوج ابنها البكر وترى أحفادها يلعبون من حولها
خرج يوسف من الجيش وخرجت أمه من الحياة الدنيا بكل متاعبها ومصاعبها
لتلقى وجه كريم
هكذا أراد القدر
رحيل بلا وداع
(المسودة الثالثة 2/1/2011)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق