أنا ومرآتى
قصة بقلم د صديق الحكيم
من الجلوس منتصبا خلف مكتبى وأمامى شاشة الكمبيوتر وأكوام من أوراق الوارد والصادر
أستقطع نصف ساعة من ساعات نومى القليلة
التى لا تتجاوز فى عددها أصابع اليد الواحدة
ومع ذلك ورغم ذلك
أمارس عادتى التى أسرتنى منذ أمد بعيد
دون انقطاع إلا لسبب قهرى
أقف أمام مرآتى وجهاً لوجه
ليظهر على صفحتها وجهى كما هو بحجمه الطبيعى
بكل تضاريسه التوبوغرافية كما علمونا فى الجيش
هذا الوجه
الذى أشرب بالسمرة جراء فعل الشمس المشرقة
وملامحه الشرقية الممتدة عبرعصور بدأً من مينا موحد القطرين
مروراً بفرعون موسى والعرب والعجم والمماليك والترك ومحمد على وأنجاله
ومن بعدهم ستون عاماً حتى خروج ثورة يوليو على المعاش
منتهيا بتلك السبيكة المصرية الرائعة التى مزجت كل هؤلاء وأخرجت المصرى
هذه السبيكة التى أرى ملامحها حين أواجه مرآتى كل ليلة
قد أفلح الزمان فى نحت خطوط متعرجة على جبينها
ومنع جفونها المرتخية من أن تتقابل لتنعم بالنوم ويفرقها كلما أرادت
بقايا من جهد فى عضلة العين التى أرهقها طول النظر إلى الكمبيوتر
وحرمتها المكاتب الضيقة والأبنية الشاهقة من النظر إلى الأفق البعيد
وهالات سوداء تحت العينين سرعان ما أصبحت دليلاً منظوراً
على الإجهاد وطول السهر
لم تنتهى جلستى مع مرآتى بعد
وإن كان الوقت المحدد قد أوشك على الإنقضاء
باقى خمس دقائق وما زلت أتحسس خريطة وجهى وما فعلته السنون به
باقى من الزمن دقيقة واحدة ستون ثانية
كأننى فى عد تنازلي لمبارة كرة سلة فى دورى المحترفين الأمريكى
لفت انتباهى تلك الشعيرات الفضية
التى ظهرت فى خجل وسط رفيقاتها السود فى شعر رأسى الكثيف
كأنما تريد أن تتوارى بعيدا وتمتنع عن الظهور على صفحة مرآتى
لم أبلغ بعد من الكبر عتياً
لم أناهز بعد نصف ما عمّر
معظم حكامنا العرب
أو سنين حكم بعضهم
ومع ذلك ورغم ذلك
أرانى وقد وهن العظم منى
واشتعل بعض رأسى شيباً
لقد أرادت مرآتى أن تبوح لى بسر لكن لم يسعفها الوقت
ربما تبوح لى به فى الليلة القادمة
فغداً ليلة خاصة
لأن نهارها عطلة رسمية
بمناسبة عيد الشرطة
سأكون مستعداً لسماع كل ماتبوح به من أسرار
الآن انتهت الجلسة
وقد اختفى وجهى من صفحة مرآتى التى استدرت للتو عنها
وقد اختفى وجهى من صفحة مرآتى التى استدرت للتو عنها
لأغرق فى سريرى ويجرفنى تيار عات من نوم يشبه الموت
لأبعث من جديد فى الصباح على ثورة الشعب فى عيد الشرطة
بلاد الغربة 28/3/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق