Powered By Blogger

الثلاثاء، 29 مارس 2011

أنا ومرآتى

أنا ومرآتى
قصة بقلم د صديق الحكيم

قبل أن أذهب إلى سريرى لألقى بجسدى المنهك طوال ساعات النهار
من الجلوس منتصبا خلف مكتبى وأمامى شاشة الكمبيوتر وأكوام من أوراق الوارد والصادر
أستقطع نصف ساعة من ساعات نومى القليلة
التى لا تتجاوز فى عددها أصابع اليد الواحدة
ومع ذلك ورغم ذلك
أمارس عادتى التى أسرتنى منذ أمد بعيد
دون انقطاع إلا لسبب قهرى
أقف أمام مرآتى  وجهاً لوجه
ليظهر على صفحتها  وجهى كما هو بحجمه الطبيعى
 بكل تضاريسه التوبوغرافية المصرية
الذى أشرب بالسمرة جراء فعل الشمس المشرقة
وملامحه الشرقية الممتدة عبرعصور بدأً من مينا موحد القطرين
مروراً بفرعون موسى والعرب والعجم والمماليك والترك ومحمد على وأنجاله
ومن بعدهم ستون عاماً حتى خروج ثورة يوليو على المعاش
 منتهيا بتلك السبيكة المصرية الرائعة التى مزجت كل هؤلاء وأخرجت المصرى
هذه السبيكة التى أراها حين أواجه مرآتى فى هذه الليلة
قد أفلح الزمان فى نحت خطوط متعرجة على جبينها
ومنع جفونها المرتخية من أن تتقابل لتنعم بالنوم ويفرقها كلما أرادت
بقايا جهد فى عضلة العين التى أرهقها طول النظر إلى الكمبيوتر
وحرمتها المكاتب الضيقة والأبنية الشاهقة من النظر إلى الأفق البعيد
وهالات سوداء تحت العينين سرعان ما أصبحت دليلاً منظوراً
على الإجهاد وطول السهر
لم تنتهى جلستى مع مرآتى بعد
 وإن كان الوقت المحدد قد أوشك على الإنقضاء
باقى خمس دقائق وما زلت أتحسس خريطة وجهى وما فعلته السنون
باقى من الزمن دقيقة واحدة ستون ثانية
كأننى فى عد تنازلي لمبارة كرة سلة فى دورى المحترفين الأمريكى
شد انتباهى  تلك الشعيرات الفضية
التى ظهرت  فى خجل وسط رفيقاتها السود فى شاربى  الكثيف
كأنما تريد أن تتوارى بعيدا وتمتنع عن الظهور على صفحة مرآتى
لم أبلغ بعد من الكبر عتياً
لم أناهز بعد نصف ما عمّر
 معظم حكامنا
ومع ذلك ورغم ذلك
أرانى وقد وهن العظم منى
واشتعل بعض  رأسى شيباً
هذا بعض ماحدثتنى به مرآتى
الآن انتهت الجلسة
وقد اختفى وجهى من صفحة مرآتى التى استدرت للتو عنها
لأغرق فى سريرى ويجرفنى تيار عات من نوم يشبه الموت

الغربة 28/3/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق